مواقف الليبراليين تجاه سبِّ الرسول
خباب بن مروان الحمد
(1)
حقاًَ لم نتفاجأ من موقف النابت على أعين الغزاة ، حامد كرزاي الذي عارض إجماع البلدان الإسلاميَّة ـ رسمياً وشعبياً ـ وعبَّر خلال زيارته للدنمارك عن رضاه كرجل مسلم!! عن التفسيرات التي قدَّمتَّها (كوبنهاجن) للإساءة لرسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وقال معلناً
الواقع أنَّ الصحافة حرَّة في الدنمارك كما في أفغانستان اليوم).
أتساءل حينها: هل يسمح كرزاي بأنَّ يسبَّ شخصه في الصحف الأفغانيَّة الحرَّة؟ أو يكتب أحد من ملالي الطالبان مقالاً يتَّهمه فيه بالعمالة والخيانة لشعبه وأمَّته الأفغانيَّة ، بعد أن أسلمها للهوان والذلَّة إبَّان مشاركته لأمريكا في حربها على الإسلام ؟ وبما أنَّه رئيس للحريَّة الأفغانيَّة فهل سيسمح لمن شاء بأن يتحدَّث بما شاء لأن قوانين الحريَّة ، تسمح بذلك عنده؟
فمثلاً: هل يسمح ويرضى حامد كرزاي كرجل مسلم! بأن تُسبَّ الحكومة الأمريكيَّة في الصحف الأفغانيَّة الحرَّة ، ومن ثمَّ يقدِّم كاتب المقال التفسيرات التي يراها مسوِّغة لمقاله بسبِّ أمريكا وأذنابها.
أجزم مسبقاً وبدون تردُّد أن الوضع يختلف تماماً في الفكر الكرزايي ! فقد يُلْحَق صاحب المقالة في سجون (باغرام) وإخواتها التي يقدِّم المسؤولون فيها كامل حريَّتهم للتعبير عن الغضب ضد المتطرفين ـ على حدِّ زعمهم ـ ! لأنَّهم يعيشون تحت ظلِّ الديموقراطيَّة الأفغانيَّة الجديدة ، ولله درُّ من قال:
يُقاد للسجن من سبَّ الزعيم ومن * * *سبَّ الرسول فإنَّ الناس أحرار
(2)
أحد المواقع الإخباريَّة على الإنترنت ينشر استفتاءً واستطلاعاً للرأي ؛ عن الموقف من نشر صور مسيئة للرسول ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وهل هي من حريَّة الرأي التي لا تستدعي الغضب ؟ ويُظْهِرُ أصحاب هذا الموقع أنَّ (54 % ) يرون أنَّ هذا من قبيل حريَّة الرأي ويعقِّب الموقع إزاء ذلك: بأنَّ هذا استطلاع لا يبرهن ولا يقتضي صحَّة ذلك أو أنَّ هذا هو الحقيقة !!
مع أنَّ المتابع للمعلِّقين على نتيجة ذلك الاستطلاع يلحظ بأنَّ 95% منهم فأكثر يستهجنون تلك الرسومات الساخرة برسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بل من غير المسلمين كما يظهر للمراقب القارئ لتلك التعليقات.
و نحن لا ننسى أنَّ هذا الموقع قد أجرى استطلاعاً سابقاً حول تطبيق حدِّ الردَّة الذي أثبتته شريعة الإسلام ، وهل يخالف حقوق الإنسان أم لا؟
وقد أظهر هذا الموقع على صفحته الرئيسيَّة رأي الرافضين لذلك وهم 42% ممَّن رفضوا حدَّ الردَّة لمخالفته لحقوق الإنسان ، وأخفوا رأي الموافقين على إقامة حدِّ الردَّة في الاستطلاع نفسه وهم الأكثريَّة بنسبة 55% لأنَّهم يعتبرون ذلك من أحكام الإسلام ... ودعونا نقول: أين النزاهة والأمانة في نقل الأخبار على حقيقتها أيها الليبراليُّون المتحررون من قيد اللاَّحريَّة ؟! أم أنَّ حريَّة التلاعب في نقل الأخبار أباحت لكم أن تظهروا ما تشاؤون وتخفوا ما تشاؤون ؟ أتواصيتم به بل أنتم قوم طاغون.
ثمَّ هل قضايا الشريعة وثوابتها تحتاج لاستطلاعات واستفتاءات للعقول البشريَّة والأدمغة الإنسانيَّة المتغذِّية على فتات الخبز لكي تبدي رأيها حول ثوابت الشريعة ومحكماتها؟! إنَّ ذلك لشيء عجاب!
(3)
يكتب أحدهم مقالاً في أحد المواقع الإخباريَّة على الإنترنت ذائعة الصيت ، وفي إحدى الجرائد التي تعنى بالقضايا الاقتصاديَّة ، ملخَّصه لماذا تقاطع الشعوب الإسلاميَّة دولة الدنمارك التي تسعى إلى تقديم جسور التعايش السلمي بينه وبين المسلمين ؟ وما ذنب هذا البلد بأن تقاطع منتجاته بجريرة صحيفة أساءت لرسول الله ؟ بل ينصُّ قائلاً بأنَّ المسلمين
عمَّموا خطأ جريدة على دولة كاملة لا تملك بحكم القانون أي سيطرة على هذه الجريدة)!!
يقول هذا ذلك الرجل مع أنَّه يعلم بأنَّ قوانين هذا البلد يمنع من الإساءة لأيِّ ديانة أو شخصيَّة دينيَّة ، ثمَّ إنَّ دعواه بأنَّه لمَ نقاطع منتجات بلد الدنمارك بذنب صحيفة أخطأت بحقِّ رسول الله ، فالجواب عليه : لقد أثبتت الإحصاءات الواضحة بأنَّ غالبيَّة شعب الدنمارك لم يرضَ بأن يعتذر بالإساءة لشخص رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ يأتي هذا فيما أظهر استطلاع للرأي نُشر الأحد أن غالبية الدانماركيين لا يشعرون بأن على حكومتهم ووسائل إعلامهم أن تعتذر للمسلمين. وقال 79% ممن شملهم الاستطلاع: إن رئيس الوزراء يجب ألا يعتذر نيابة عن الدانمارك ، بينما قال 18% : إن عليه الاعتذار.
ومن ناحية أخرى قال 62% :إنه لا يتعين على الصحيفة تقديم اعتذار بينما قال 31% إن عليها أن تعتذر، كما ذكر ذلك موقع(إسلام أون لاين).
وهذا أحد المنهزمين من قومنا ينشر مقالاً في إحدى الجرائد السيَّارة بعنوان : لا تقاطعوا المنتجات الدنماركيَّة ! يبدي فيه أنَّ العاطفة الجيَّاشة التي أدَّت بالمسلمين بمقاطعة المنتجات الدنماركيَّة تجاه السخرية من الصحف الدنماركيَّة بشخص رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ لن تفيد شيئاً وأنَّ هذه المقاطعة غير ذات جدوى اقتصاديَّة ، لأنَّ المتضررين من المقاطعة هم الوكلاء التجاريون الذين يحملون امتياز بيعها في البلدان الإسلاميَّة.
ولا أدري من نصَّب هذا ليكون محامياً عن المنتجات الدنماركيَّة ، أو وكَّله لنصح المسلمين بعدم مقاطعة منتجات الدنمارك ؟ وكذلك هل ظهر أحد من هؤلاء الوكلاء التجاريون وأعلن أنَّه تضرَّر من هذه المقاطعة ؟ بل العكس خلاف ذلك فقد رأيناهم تداعو بكلِّ شجاعة لطلب المقاطعة ، فهل هذا المسكين أحرص من التُّجَّار على أموالهم أم أنَّها عقليات التطبيع ! وحتَّى حكومات البلاد الإسلاميَّة لم تعلِّق بشيء على المقاطعة الشعبية الإسلاميَّة للمنتجات الدنماركيَّة ، ولم تلزم أصحاب الشركات والمؤسَّسات بالتعامل الاقتصادي معها.
ثمَّ هؤلاء الصحافيون الذين يشكِّكون بجدوى المقاطعة ، هل تغافلوا عن النداءات الدنماركيَّة التي تستنجد بالاتحاد الأوروبي لإنهاء المقاطعة الإسلاميَّة لمنتجاتها؟ وهل تغابوا عن الخسائر الدنماركيَّة التي ستصاب بها حين تقاطع دول الخليج العربي فقط منتجاتها خلال فترة قصيرة ، حيث ستبلغ حجم خسائر الدنمارك إلى أكثر من 40 مليون كراون؟ ويكفي أنَّ شركة (آرلا) الدنماركيَّة قالت : إنَّها ستخسر ما يقارب 10 ملايين كرونة يومياً بما يعادل مليون ونصف دولاراً أمريكياً نتيجة للمقاطعة في السعودية فقط ، فما بالك بالبلدان الإسلاميَّة الأخرى ، بل أعلنت إحدى الشركات بأنَّه إذا استمرَّت المقاطعة لأسبوع واحد فربَّما تضطر لإغلاق مصانعها في الدنمارك الذي يعمل فيه 160 عاملاً.
ولهذا فلتبشر الدنمارك وحكومتها العنصريَّة بخيار الشعوب الإسلاميَّة بمقاطعتها لمنتجاتها تحت شعار
إذا كان لكم حرية الرأي،فإنَّ لنا حرية الاختيار)ويستحيل على أيِّ حكومة أن تجبر إرادة الشعوب على ذلك.
قارئي العزيز: ينبغي علينا أن نتكاتف بهذه المقاطعة ولو اعتذرت الصحف الدنماركيَّة ، ولو اعتذر الدنمارك كلُّه ، لأنَّ شخص رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يجب أن نرعاه ونحميه من أيِّ أحد يستهزئ به ولو تاب ، وماذا لو سبَّ صاحب شركة آباءنا وأمَّهاتنا ثم اعتذر لنا بعد ذلك ؟ إنَّنا سنجد في أنفسنا عليه بعض الشيء ولو اعتذر ولن نتعامل معه،فكيف برسول الأمَّة الإسلاميَّة محمد بن عبدالله ـ عليه صلوات ربِّنا وسلامه ـ ؟
فلنجتمع يا شباب الدين قاطبة *** لنصرة الحقِّ في جدٍّ من العمل
وأيسر الأمر أن تلقي بضاعتهم***ردَّت إليهم جزاء المارق الثَّمل
وأختم مبشِّراً بأنَّه لابدَّ من يوم للدنمارك يقتصُّ فيه الله لشخص رسوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فإنَّه سبحانه وتعالى متكفِّلٌ بالانتقام لرسوله ، وقد قال ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ
إنَّ الله منتقم لرسوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ممَّن طعن عليه وسبَّه ، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب ؛ إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد) (الصارم المسلول2/233) وقال (2/318)
ولعلَّك لا تجد أحداً آذى نبيَّاً من الأنبياء ثمَّ لم يتب إلاَّ ولابدَّ أن يصيبه الله بقارعة) وقال
ومن سنَّة الله أن يعذِّب أعداءه تارة بعذاب من عنده، وتارة بأيدي عباده المؤمنين) ولهذا نقول بملء أفواهنا للدنمارك وأهلها: انتظروا بعقاب من عند الله ؛ فإنَّا لمنتظرون ! وصدق الله ـ جلَّ وتقدَّس ـ(فليحذر الذي يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
وأخيراً : يا ليبراليُّون ماذا كنَّا ننتظر منكم غير هذا اللمز من طرفٍ خفي ، أو السكوت على تلك الإساءة ؟! فلسنا أغبياء بدرجة كافية.
منقول من موقع صيد الفوائد